17 - 07 - 2024

مؤشرات | الفقر عنوان في قرى مصرية

مؤشرات | الفقر عنوان في قرى مصرية

شاركت مؤخرا في عمل أعتبره عظيما، ضمن قافلة علاجية مجانية نظمتها مجموعة من جمعيات المجتمع المدني، إلى قرية من عشرات بل قل مئات القرى الفقيرة في بر مصر.

قبل القافلة بأيام جمعت معلومات من خلال شبكة الإنترنت عن القرية، وسكانها وأوضاعها الإجتماعية، وموقعها، وللوهلة الأولى تخيلت أنني سأرى قرية من تلك القرى التي أشاهدها على شاشات الفضائيات، وقنوات التلفزيون الوطني، وما نسمعه عن قرى مشروع "حياة كريمة"، أو تلك القرى التي أزورها وأعرفها من عشرات السنين.

المفاجأة كانت غير متوقعة على الإطلاق، ففي "كفر عمار" مركز العياط بمحافظة الجيزة، قلت "إنه الفقر بأم عينه، والإهمال يتسجد في تلك القرية، والمؤكد أن هناك قرى أخرى، تستحق مئات المبادرات لإعادة بناء ما أفسدته المحليات، وجسده إهمال الدولة على مدى عشرات السنوات" ... ولخصت وجهة نظري ووصفي لأوضاع "كفر عمار" لمن هم معي بعبارة من كلمتين "الفقر عنوان".

القرية كعشرات القرى المصرية تعتمد بالأساس على الجهود الذاتية في بناء وتوفير الخدمات، فهذا مركز طبي في شارع ضيق من شارع أضيق، من طريق وعر، مجهز به وحدات لغسيل الكلي، ودور للعيادات الطبية، وبالفعل شئ جميل.. ولكن تنقصه الموارد اللازمة للتشغيل، ومازال يعتمد على الجهود الذاتية في توفير مستلزمات غسيل الكلي، لمرضى مصابين بمرض عضال هو الأكثر إنتشارا في بلادنا، ونعلم جميعا وجود نقص حاد في مثل تلك المراكز.

شكوى القائمين على المركز هي من يوفر لهم أدوات ومستلزمات الطبابة، والشكوى سمعها رئيس مجلس مدينة العياط، الذي تواجد بالقرية، بالتوزاي مع زيارة القافلة الطبية، والرجل مشكورا وعد خيرًا.

وتأتي الشكوى الأهم في تشغيل العيادات، والتي تحتاج إلى ستة تخصصات رئيسية من أطباء يقبلون العمل التطوعي أو بأجر رمزي، إلا أن هذا غير متاح، ومازال الإقبال من الأطباء من أبناء القرية يكاد يكون غائبًا إن لم يكن محدودًا.

الوعود كثيرة، رئيس المدينة وعد بالسعي لدعم المركز الطبي، والذي مازال يحتاج الكثير من المعدات، ووعد الإتحاد النوعي للارتقاء بالخدمات الطبية، والمنظم للقافلة الطبية، بمخاطبة الجهات المختصة لدعم نشاط وعمل المركز، والذي يحتاج للدعم بالفعل.

من أهم ملاحظاتي خلال عمل القافلة، حجم الإقبال من المرضى على القافلة للكشف الطبي، والحصول على بعض الأدوية المجانية التي وفرتها القافلة بجهود الأطباء المعالجين، وبدا أن هذا الإقبال دليل عن حجم الفقر والحاجة الظاهرين على المرضى، والذين وجدوا في القافلة رحيق الحياة للعلاج، بل بدا أنهم وجدوا فيها المنقذ لأمراض مثل القلب وآلام العظام، وأمراض النساء والأطفال، والباطنة والجلدية، وما أدراك ما "الجلدية".

من الواضح أن الثقافة والتثقيف الطبي غائب عن جزء كبير من أهل القرية وحتما قرى أخرى بالتقاطع مع الفقر، وارتفاع تكاليف العلاج، ودور الدولة غائب بشكل واضح، وحاجة الناس للعلاج مطلب ورغبة، وليس مجرد ترفيه، أو للحصول على زجاجة دواء، أو مسكن للآلام.

سألت الأطباء عن حقيقة الٌإقبال بين التمارض، والمرض، فرد على أحد الأطباء، "الناس غلابة، والهموم والمشاكل الإجتماعية وضغوط الحياة دفع الناس لوضع العلاج والإستشفاء في آخر الأولويات، وبعض الحالات هي إضطرابات نفسية وإجتماعية، ولكن في القلب آلام بعشرات الحالات، وفي العظام أوجاع، وبين النساء والأطفال مرضى بالفعل، وأمراض الجلدية من بين الأكثر إنتشارا، والوعي يكاد ينعدم.

هالتني بالفعل حالة البحث عن زجاجة دواء، وأنبوبة مرهم، أو مسكن لآلام الظهر والركبة، وصراخ الأطفال من الألم، والإكتفاء بمسكن من الصيدلية، على أمل أن تسكن الألم لمرض بحاجة لطبيب بالفعل.

الكثير من الحكايات مؤلمة، عن قرية تحتاح للعديد من المشروعات، الخدمية والطبية والإجتماعية، وتوسيع مشروعات الصرف الصحي، في شوارع ضاقت على المارة المترجلين، وفي نقاط، تصعب أن تصلها سيارة إسعاف إذا اقتضي الأمر.

سعدت خلال صلاة الجمعة بالإعلان عن مشروع بالجهوذ الذاتية، طالما غابت الدولة، لتشييد كبري يربط القرية بمناطق العمار، وليس بين مصر الجديدة بالمعادي، وهو بالفعل الكوبري الذي يحتاجه الناس، ليعيشوا مثل باقي البشر، وبالفعل الأرقام تدل على أن الجهود الذاتية أساس في التنمية خصوصا في الريف والناس الغلابة هم الأكثر مساهمة فيها.

وإسمحوا أن أوجه التحية لفريق مميز من الأطباء المتطوعين في قافلة كفر عمار بالعياط والتي نظمتها جمعيه قبس من النور، بالتعاون مع الاتحاد النوعي لتطوير الخدمات الصحية، والجمعيه المصرية لفنون الأرابيسك والمشربية ومجموعة خريجي القصر العيني  ديسمبر 77.

شكر خاص للدكتور محمد الديب استشاري جراحة العظام والعمود الفقري، والدكتور سيد خاطر أستاذ الجلدية بجامعة الزقازيق، والدكتور حسن خالد أستاذ طب الحالات الحرجة القصر العيني ورئيس وحدة العناية المركزية، والدكتور نبيل فهمي عبد الرحمن عمران أستاذ طب الأطفال، والدكتورة عبلة عبد الغنى غانم اخصائي النساء والتوليد، والدكتورة إيمان عبد الجواد مدير إدارة الجودة الصحية.

والشكر موصول لدينامو القوافل الطبية مجدي عزيز مدير الاتحاد النوعي لتطوير الخدمات الصحية.

إلا أن الأهم هو .. من المؤكد أن عشرات القرى مثل كفر عمار، بحاجة إلى نظرة اهتمام وثورة على الفقر ومسبباته.
------------------------------
بقلم: محمود الحضري

مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | أفسحوا المجال للإبداع والإبتكار عربيًا